هذا العمل الوثائقي التاريخي يمثل رؤية شخصية لمعده ومقدمه روري ستيوارت، إلا إنه يتحدث عن مسألة تاريخية هامة عن أفغانستان. ويبدو أن هذه البلاد التي تقع في جنوب أسيا الوسطى وتحاصرها مناطق جبلية شاسعة وسط منطقة صحراوية جافة وقاحلة، أصبحت تسمى “لعبة”. أما اللاعب أو اللاعبون فهم القوى الإمبريالية القديمة كبريطانيا وروسيا، أما من جعل هذا الاسم “اللعبة الكبرى” شائعا فهو الشاعر الإنجليزي ذائع الصيت روديارد كيبلينغ الذي تلقف العبارة من مذكرات ضابط مخابرات بريطاني يدعى آرثر كونولي أعدمه أحد أمراء أفغانستان سنة 1842، فوضع كيبلينغ هذا المسمى في روايته “كيم” فاشتهرت ورمزت للصراع الإمبريالي على أرض أفغانستان وما جاورها
وهذا الصراع الإمبريالي تفاقم ونتجت عنه أزمات وحروب عديدة ويبدو أنه أنتج لنا نحن العرب والمسلمين كارثة اغتصاب فلسطين في منتصف القرن العشرين. فبريطانيا دخلت في القرن السابع عشر بحروب مريرة مع أسبانيا تمخض عنها تدمير السيطرة الأسبانية على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق (الذي مازال تحت الإدارة البريطانية)، وهو ما مكن الإنجليز من التمدد وصولا إلى مصر. لكن مع تعاظم قوة فرنسا في الحقبة النابليونية، اندلعت الحروب الفرنسية الإنجليزية في أوروبا. غير أن نابليون كما يبدو نجح في إقناع القيصر الروسي بولس في أن يسيّر جيشا نحو الهند على الرغم من فشل نابليون في استكمال خطته بعد غزوه الفاشل لمصر والشام الذي أجبر الإنجليز على التحالف مع الدولة العثمانية لإيقاف هذا المخطط الفرنسي. إلا أن الخوف تملك بريطانيا العظمى من احتمال زحف الروس نحو الهند التي يسيطرون عليها وبالتالي تهديد درة تاجهم الملكية. فقرر الإنجليز التوجه نحو المنطقة الغامضة التي تفصلهم عن الإمبراطورية الروسية ألا وهي أفغانستان. وحدث خلال الهجومات البريطانية ما سيراه المشاهد في هذا الفيلم الوثائقي.
وثمة نظرية في التاريخ الحديث تشير إلى أن زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي كان من ثمار “اللعبة الكبرى” ومخاضاتها. فما يسمى “المشكلة اليهودية” مسألة ومعضلة ضربت أطنابها في معظم البلدان الأوروبية، ومنها روسيا. وبما أن الأخيرة اشتركت مع بريطانيا في مفاوضات لحلحلة الموقف بينهما ووضع تسوية مقبولة، وبينما دخلت فرنسا شريكا بينهما في بداية القرن العشرين واتفق الثلاثة على الدخول بمغامرة “سايكس-بيكو”، فثمة دلائل جلية أن من شروط وضع التسوية ترحيل يهود روسيا وأوروبا الشرقية بكثافة إلى فلسطين ومن ثم صياغة حل نهائي لهذه المشكلة التي أرّقت بال الأوروبيين ردحا طويلا من الزمن. وهو ما تم في إنشاء الكيان الصهيوني سنة 1948، إثر حركة تقسيم وتحييد كبرى للشعوب العربية، أثناء الاستعمار وبعده.
ما أذكره هنا هو بعد تاريخي آخر لهذا العمل الوثائقي، وليس بالضرورة مطروحا فيه. إذ لا بد أن تحتوي النظرة التاريخية للأحداث على عنصر ربط مكوناتها ونتائجها للحصول على رؤية شمولية كبرى، مع ضرورة عدم قراءة التاريخ بمنظور قصير الأمد فقط.