2602-2015

الفيلم الوثائقي: أمريكا تَصَوّر العالم من دونها - America Imagine the World Without Her - مترجم

تحميل مباشر - مشاهدة مباشرة

تاريخ الإضافة : الخميس 26 02 2015 - 05:05 مساءً اخر تحديث : الخميس 26 02 2015 - 06:12 مساءً
4,881
الفيلم,الوثائقي,أمريكا,تَصَوّر,العالم,دونها,America,Imagine,World,Without
شاركنا، .. ما رأيك في هذا الموضوع ؟

تكاد الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون الدولة الوحيدة في العالم الغربي التي تُنتج فناً وإعلاماً يميني التوجه، لا يلتزم باللياقة السياسية والاجتماعية الشائعة، مغالياً في تطرفه أحياناً، والذي يجد رغم ذلك جمهوره هناك دائماً، ويُحقّق نجاحات متفاوتة. ففي الوقت الذي يكون من الصعب بمكان تخيل أن يقوم مخرج سويدي أو إنكليزي تقديم أفلام تسجيلية تتجاوز معايير فكرية وإنسانية معروفة ومتفق عليها، أو تهاجم شريحة واسعة من البشر، أو غارقة في الوطنية العمياء لحدود الشوفينية. وحتى إن وُجِدَت هذه الأعمال، فلن تلقى منافذ العرض أو الجمهور، لتتجّه، وكما يحدث منذ أكثر من عقد من السنوات، إلى الغرف السريّة للشبكة العنكبوتية. أما في الولايات المتحدة، فتقسيم الجمهور هناك يكاد يكون صورة عن الإنقسام السياسي والفكري الكبير في المجتمع نفسه، بين الليبراليين والمحافظين، بين أبناء المدن الكبيرة وقلب أمريكا الجغرافي، وبين المجموعات الإثنية التي تُشكّل المجتمع الأمريكي أيضاً. فهناك شريحة واسعة من الجمهور الأمريكي اعتادت تاريخياُ على تقبُّل أعمال يمينية الإتجاه وشديدة المحافظة (يمكن اعتبار شعبية قنوات فوكس التليفزيونية الأمريكية كمثال)، الأمر الذي يجعل صناعتها ووصولها إلى الجمهور أمراً هيناً بل منطقياً مُقارنة بما يحدث في أوروبا.

فبعد أن قدّم المخرج والشخصية الجدليّة الأمريكية دينيش دسوزا مع زميله المخرج جون سوليفان، فيلمهما ""2016: أمريكا اوباما" في عام 2012. يعود المخرجان بفيلم جديد عنوانه " أمريكا.. تَصَوّر العالم من دونها ". يفتتح دينيش دسوزا فيلمه الجديد بهجاء شديد للرئيس الأمريكي باراك اوباما، وكأنه يُكمِّل به، ما بدأه في فيلمه السابق. والأخير لم يخرج فكرياً عن إطار الإتهامات التي تحاصر الرئيس الأمريكي من معارضيه منذ سنوات، ويمكن تلخيصها، بأن الرئيس الأمريكي يملك أجندة سريّة خاصة، هي مزيج من أفكار "الإسلام" و "اليسار" الفكري المتطرف، والغاية هي تدمير أمريكا. ينقل الكاتب والمخرج في بداية فيلمه الجديد إن فيلم "اوباما" حصل على نجاح شعبي جعله ثاني أكثر فيلم تسجيلي سياسي أمريكي في التاريخ، لجهة العائدات التي حققها (حوالي 33 مليون دولار من عرضه في الصالات). أما الفيلم الجديد الذي عُرض في صيف هذا العام، فبالكاد وصل إلى نصف عائدات الفيلم الأول.

وإذا كان فيلم "2016: أمريكا اوباما "، ينطلق من موضوع وحدثا واضحين، أي الرئيس باراك اوباما، والمناسبة هي الإنتخابات الرئاسية الثانية التي نافس عليها، ليكون الفيلم في جزء منه بحث تاريخي وسياسي في سيرة الرئيس. يغيب الدافع المُلِحّ وراء فيلم " أمريكا.. تَصَوّر العالم من دونها "، والذي يُمكن تفسيره بمحاولة للإنتفاع من الضجة التي حققها الفيلم السابق، لتحقيق مكاسب مالية مشابهه، عبر اللعب مجدداً على مشاعر وطنية زائفة، ينطلق من تقديم الأُمة الأمريكية، كشيء متجانس، ثم تنسج من حولها أساطير مُغلفة بالعاطفية، ويحذر من مؤامرات يقودها أعداء من الداخل والخارج، لن يتوقفوا حتى يدمروا "الحلم" الأميركي. وهذا الأخير هو الذي جذب دينيش دسوزا للهجرة من بلده الهند إلى أمريكا قبل ثلاثين عاماً، وليتحول اليوم إلى أشد المدافعين عن قيم أمريكية، تخصُّه وحده وعلى مقاسه، ولا يشاركه فيها كثيرين.

دينيش دسوزا
يُحاول الفيلم جاهداً أن يبتكر خطاً سردياً يُعينه على قطع وقت الفيلم، الذي يبدو كفكرة هجينة خطرت على بال صانعيه، فيجد في أعمال الأمريكي هوارد زين التاريخية (كاتب شهير نادى في حياته بضرورة أن تحاسب أمريكا نفسها على ما ارتكبته من مظالم بحق السكان الأصليين والأفارقة العبيد والمكسيكسين، ودول حول العالم تضررت من حروب أمريكا في القرن العشرين)، وما تتضمنه كتب هذا المؤرخ من أفكار ونظريات، "العدو" الذي يجب تفنيد مزاعمه، ليتقسم الفيلم على محاور، على عدد التهم التي نسبها الفيلم نفسه للولايات المتحدة وهي: سيرتها مع السكان الأصليين للقارة، العبودية، العلاقة مع الجارة المكسيك وما مرت به من أحداث ودم، تدخلات الولايات المتحدة الخارجية، وأخيراً سياساتها الإقتصادية.

يجيب دينيش دسوزا على كثير من الأسئلة التي طرحها هو نفسه، كما سيستعين بعدد من الخبراء، من المعروفين بآرائهم المتطرفة والشعبية. كما سيعيد الفيلم تمثيل مشاهد من القرون الماضية لأحداث تاريخية كبيرة ومن الحياة في الولايات المتحدة، فيقدم سيدة من أُصول أفريقية، تعتبر الأولى التي بلغت ثورتها ملايين، كما سيعيد بإفتعال كبير، مشاهد لأفارقة سود من زمن قبل إلغاء العبودية، وكيف كان هؤلاء يملكون هم أنفسهم آلاف العبيد السود. تُبين الحجج التي قدمها الفيلم ضيق أُفق صانعيه وعدم رغبتهم في الغوص النفسي في التاريخ الذي يتناولوه واكتفائهم بالتفسيرات العاطفية المُبسطّة، لأن هذه هي التي تلقى الرواج بين جمهور أمريكي كبير، وتلميع صورة أمريكا كدولة مُقدسة بدون أخطاء.

فالأمريكين الأوائل - وحسب الفيلم- لا يتحملون مسؤولية موت حوالي ثمانون بالمائة من الهنود الحمر، والذين قضوا بسبب القتل أو الأمراض التي نقلها المُستعمر الجديد. وحجة الفيلم أن أوروبا عرفت هي أيضاً أمراضاً فتاكة قضت على ملايين، بسبب أمراض نقلها آسيويون سافروا إلى هناك للهجرة أو التجارة. كما ينحدر الفيلم إلى قاع أشد عمقاً، عندما يقابل أمريكيين من أُصول مكسيكية يعيشون اليوم في مناطق كانت موضوع تنازع تاريخي في الماضي، ليسأل هؤلاء إذا كانوا سعداء، لأنهم اليوم يعيشون فوق التراب الأمريكي وليس المكسيكي...؟ أو عندما سأل أحد حرس الحدود الأمريكيين عن أعداد المهاجرين الغير شرعيين الذين يعبرون كل عام الحدود من المكسيك إلى الولايات المتحدة (يصل عددهم إلى المليون). بعدها يسأل عن أعداد الذين يقطعون هجرة عكسية، من أمريكا إلى المكسيك، وعندما يجيب الشرطي بأن لا أحد يترك أمريكا، يعتبر دينيش دسوزا، أن هذا لوحده دليل على صواب سياسيات أمريكا في الماضي والآن!

وبعيداً عن الخطاب البدائي الشديد الضحالة والدوغمائي للفيلم، يكاد أن يكون موضوع هذا الأخير برمته غير صالح سينمائياً. فعلى فرض أن سؤال: "ماذا لو اختفت أمريكا من العالم..؟" هو سؤال مُلِحّ وراهن في الحياة الأمريكية أو العالم اليوم، فالمقاربة السينمائية النموذجية له ستكون صعبة كثيراً، وربما المكان الأمثل لهكذا نقاش هو برامج إذاعية أو كتب، فالموضوع فكري خالص والشكل السينمائي لا ينفع إن لم يعرقل تناولها المُعمق. صحيح أن الفيلم ابتكر أسلوب إعادة تمثيل وقائع تاريخية، لكن هذه بدت بدون روح حقيقية، وجاءت فوضوية وبدون هدف وجزء من سعي صانعي الفيلم لإضفاء طابع من الأهمية على عملهم. ربما لم تعرف الولايات المتحدة الأمريكية الأفلام السياسية الدعائية بالشكل الذي عرفته دول منزوعة الحريات. فيلم " أمريكا.. تَصَوّر العالم من دونها"، هو أقرب الأفلام التسجيلية الأمريكية إلى الأفلام الدعائية من الدول الديكتاتورية، عندما يتحول "الوطن" في تلك الأفلام إلى خليط من الظلم والمبالغة والشعارات، دون التمعن قليلاً بأن نقد تاريخ وحاضر الأوطان هو أيضاً جزء من "الحب"
التبليغ عن خطأ